بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني
الإنسان الأعلى .
يقول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]؛ والمقصود بالإنسان هنا بـ”الـ” العهدية، هو الحقيقة المحمدية، التي هي أصل العالم. ثم يقول الله بعد ذلك: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5]؛ والمردود أسفل سافلين، هو جنس الإنسان كله، الذي يُعد أفراده صورا فرعية لصورة الإنسان الأعلى. وأسفل سافلين، هو عالم الطبيعة الذي أنزِل إليه بنو آدم ليدبروا فيه أجساما طبيعية تشدهم إلى أسفل. وبسبب هذا النزول، شرع الله العروج، حتى يعود الموفَّقون إلى أصل نشأتهم العلوية. ولهذا جاء قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6]. فالرجوع الأكبر من أسفل سافلين إلى الحقيقة الأولى، قد وقع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة عروجه؛ فصار هذا سنة لمن تبعه من الربانيين الورثة. ومن المؤمنين من يتوقف في الطريق عند مكانة مخصوصة، يُنسب إليها. أما الأنبياء عليهم السلام، فلهم عروج فرعي عن عروج محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن تقدموه في الزمان. ومن أراد أن يعرف مرتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعليه إلغاء الزمان عقلا، حتى ينظر إلى الناس في صعيد واحد، يشبه يوم المحشر. هناك سيظهر له أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، لا يدانيه أحد من الأنبياء. ويظهر له أن النبوة والرسالة له بالأصالة؛ حتى إذا حضر، عاد الجميع له أتباعا. وهذا المعنى هو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي»[1]. هذا يعني أننا عندما نقول بأفضلية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الخلق، فإننا لا ننطلق من عصبية دينية؛ وإنما هي الحقيقة التي يعلمها الأنبياء قبل غيرهم من الخلق. ومن يظن أن الناس كلهم سواسية في المرتبة، كما يريد أهل “الأنسنة” اليوم أن يُفهموهم، فإنه يكون جاهلا جهلا بيّنا.