banner ocp

مرافعة الاستاذ المحامي رشيد بالعربي : عندما يحل التعذيب حد الموت محل الأمان في ضيافة الشرطة ، و عندما يعتبر القضاء هذا الفعل مجرد جنحة ، فهل سنكون بحاجة لإطلاق تجربة ثانية من الإنصاف و المصالحة ؟؟؟ !!

0

مرافعة الاستاذ المحامي رشيد بالعربي : عندما يحل التعذيب حد الموت محل الأمان في ضيافة الشرطة ، و عندما يعتبر القضاء هذا الفعل مجرد جنحة ، فهل سنكون بحاجة لإطلاق تجربة ثانية من الإنصاف و المصالحة ؟؟؟ !!

اليوم 23 أبريل 2025، استكملت المحكمة الابتدائية ببنگرير مناقشتها لقضية لم نشهد لها مثيلا في محاكمنا في مغرب القرن الواحد و العشرين. إنها قضية المرحوم ياسين الشبلي الذي قتل بإحدى مخافر الشرطة بمدينة بنگرير. فبعد عرض المحكمة لأشرطة الفيديو المسجلة بالكاميرات الصدرية لرجال الشرطة الذين أوقفوه و كذا الأشرطة المسجلة بمقر المنطقة الإقليمية للشرطة ببنكرير خلال الجلسة الفارطة، تركزت المرافعات اليوم بالأساس حول التكييف القانوني لمحتوى أشرطة الفيديو المفرغة في محاضر من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية و التي وثقت حصص التعذيب الوحشي و الهمجي الذي لم نكن نتصور حدوثه في زمن ما بعد تجربة الإنصاف و المصالحة الأولى و لا زمن ما بعد دستور 2011. نعم سمعنا عن وقوع هذا النوع من الأفعال الإجرامية الفظيعة من طرف رجال الشرطة في زمن الجمر و الرصاص في حق معارضين للنظام، في حق المتهمين بالانقلابات على نظام الملك الراحل الحسن الثاني، في حق المتهمين بقيادة الحركات الاحتجاجية التي هزت المغرب . و بعد ذلك في حق إرهابيين كانوا يخططون لأفعال إجرامية خطيرة تمس الأمن و النظام العام.لكنه لم يسبق لنا أن سمعنا أو تخيلنا وقوع هذا في حق مواطن أعزل في سنة 2022. فهل نحتاج لإطلاق تجربة جديدة للإنصاف و المصالحة في نسخة ثانية ؟
القصة انطلقت في أكتوبر من سنة 2022 عندما كان المرحوم ياسين الشبلي يجلس في فضاء عام وسط المدينة رفقة صديقته ليتقدم منه رجال الأمن و يطالبونه بمرافقتهم إلى مقر مفوضية الشرطة ، لكن استفساره عن السبب كان كافيا ليودع الدنيا حيث نال بداية ما ناله من الصفع و الركل و الرفس بعدما تم تصفيد يديه للوراء بدون أدنى قدرة على المقاومة. أما في زنزانة القهر و التعذيب التي سميت زورا ب ” غرفة الأمان” و رغم الزج به فيها و إغلاق بابها فقد تركت يداه مصفدتان للخلف لمدة تفوق ست ساعات تقيأ خلالها أكثر من مرة و ظل يتمرغ فوق قيئه من شدة الألم الذي كانت تسببه له الأصفاد. و بعد أن خارت قواه تم نقله للمستشفى و أرجع في أقل من 20 دقيقة لنفس الزنزانة لتستأنف حصص تعذيبه بشكل آخر من خلاله تصليبه في وضعية وقوف على شكل T بباب الزنزانة و يداه ممدودتان واحدة في اتجاه اليمين و الثانية في اتجاه الشمال و هما مربوطتان في القضيب الثالث من كلتا الجهتين. لكن و هو يعبر عن آهاته و يتدور و يصرخ من شدة الألم ، و عوض أن تتحرك غريزة الرحمة أو الشفقة أو الإنسانية لدى حراسه للعفو عنه ، يأتي أحدهم ليوجه له ضربة قوية بيده على مؤخرة رأسه و هو يحمل جسما لم يظهر جيدا في الفيديو ثم يعيد ضربه بركلة أقوى برجله على مستوى فخذيه من الخلف رغم أنه مصلب اليدين لا يقوى على المقاومة و لا حتى الحركة. لكن هذا كله لم يشف غليل الشرطي المذكور بل جعل نار الحقد تستعر بشكل أعنف ، فيستعين بشرطي آخر لفك أصفاده ثم يمددان يديه من القضيب الثالث لربطهما مع القضيب الرابع في كلا الاتجاهين حيث تحول المرحوم من وضعية الوقوف على شكل حرف T إلى وضعية أسوأ و أكثر إيلاما تشبه وضعية الوقوف على شكل حرف Y و هو يقف على أصابع رجليه لتستمر هاته الوضعية حوالي ربع ساعة إلى أن انهار بشكل نهائي فيتدخل أحدهم لفك قيده ليجد المرحوم نفسه غير قادر على الوقوف ثم يستلقي على جانبه الأيسر ليخلد إلى نومه الأبدي . و هو ما جعلنا كدفاع للطرف المدني نقتنع بأن هاته الوقائع تشكل جنايات التعذيب و القتل العمد مع سبق الإصرار أو على الأقل الضرب و الجرح المفضي للموت دون نية إحداثه مطالبين المحكمة بإعادة تكييفها على هذا المنوال. إلا أنه و رغم وصول التعذيب و التنكيل و الهمجية و العنف إلى هاته الدرجة من السادية التي أدت في وفاة الضحية، فإن النيابة العامة لم تجد حرجا في الدفاع عن المتابعة التي سطرتها في حق المتهمين ألا و هي جنحتي العنف أثناء القيام بالوظيفة ضد أحد الأشخاص والتسبب في القتل غير العمدي الناتج عن الإهمال و عدم الاحتياط و عدم التبصر، لتقرر المحكمة بعد المداولة رد الدفع بعدم الاختصاص النوعي و تعتبر الأفعال المرتكبة من طرف المتهمين مجرد جنح و تصدر حكمها بإدانة المتهمين مع الحكم على الأول بثلاث سنوات و نصف حبسا نافذا و الثاني بسنتين و نصف حبسا نافذا فيما حكمت على الثالث بالبراءة.
كان أملنا كبيرا أن يصحح القضاء هذا الخلل و يؤكد نهوضه بالدور الدستوري المنوط به في حماية الحقوق و الحريات، و الانتصار لسيادة القانون و مساواة الجميع أمامه خصوصا بعد عرض الأقراص التي توثق فظاعة الجرم المرتكب، لكن الخيبة كانت أكبر من الأمل و نحن نستحضر شريط التعذيب السادي الذي مورس في حق المرحوم.

ختاما أقول إن الغرض من هذه التدوينة ليس الإساءة إلى جهاز من أجهزة الدولة المكلف بحفظ الأمن و النظام العامين بل إننا نعرف جيدا حجم التضحيات التي يقوم بها الرجال و النساء المنتسبون لهذا الجهاز تصل أحيانا حد المغامرة بأرواحهم و سلامتهم من أجل أمن الآخرين. لكن هي صرخة صادقة نابعة من حب هذا الوطن و الغيرة على مؤسساته و سمعته الحقوقية و ذلك من أجل الدفع بمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى أبعد مستوياته و عدم استثناء أحد و ذلك بمحاسبة كل المتورطين في إزهاق روح بريئة أو المتسترين عليهم عن طريق متابعتهم بما اقترفوه من أفعال بعد تكييفها التكييف القانوني الصحيح و معاقبتهم بالعقوبة المستحقة و تقديم القدوة لكل المغاربة بأن الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون هم أول الـخاضعين لنصوصه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.