لمادا غابت نزعتنا الإنسانية و تركت مكانها للقتل والوحشية؟
عبد الالاه مهدي .
لاشك أن الحدث المأساوي والهمجي الذي وقع بولاية فلوريدا والدي دهب ضحيته أزيد من 64 قتيل وعشرات الجرحى على يد شاب أمريكي ذي أصول أفغانية الذي ولج ناد للمثليين بأورلاندو وشرع في تصفية رواده بدم بارد في تحد سافر لكل الشرائع والقيم الكونية التي تحرم القتل وتنبذ الهمجية التي تسلب الإنسان أعظم حق من حقوقه الوجودية ألا وهو الحق في الحياة وفي استهتار تام لقوانين وأعراف بلد منحه جنسيته ومواطنته .إن هدا الحدث –المجزرة- الذي اعتبر الأسوأ والأكثر دموية بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث مند أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، ينبغي أن يساءل الفكر الجمعي لملايين المسلمين في مختلف بقاع العالم عن الأسباب الحقيقية لموت النزعة الإنسانية بالعالم الإسلامي وسيطرة النزعة القومجية والعرقية والأصولية والتطرف وأنهار الدماء التي تهدر وتسفك على طول العالم العربي والإسلامي ناهيك عن احتقار ونفي الأخر بل وحتى طمسه وسحقه سياسيا وإنسانيا.
ويقصد بالنزعة الإنسانية محبة الإنسان لأخيه الإنسان واحترامه باعتباره أعظم كائن على وجه الأرض و تجعل من ألامه أينما كان وبغض النظر عن مذهبه أو دينه أو عرقه ، هاجسه واهتمامه ونضاله الأول ودون دالك فان الإنسان سيتحول إلى وحش شرس أو شخص فظ لا معنى لوجوده فوق هده الأرض التي وجد ليعمرها ويستخلف فيها، من أجل دالك كان جميع المفكرين الكبار الدين حملوا لواء الفكر التنويري مهووسين بتحسين أوضاع الإنسان وتشخيص مشاكله وقضاياه لإيجاد الحلول الناجعة لها
وادا كان من حق المسلم الافتخار بدينه كأحد أكثر الأديان التوحيدية انتشارا فلماذا ينحو نحو التعصب والانغلاق ورفض الانفتاح والتواصل والحوار مع أتباع الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية كما هو مكرس وواقع بالمجتمعات المتحضرة ؟ لمادا اختفت النزعة الإنسانية من الساحة العربية الإسلامية كما تجلت في أعمال التوحيدي ومسكويه والجاحظ والكندي والفارابي بنهاية القرن السادس الهجري و لاسيما مع موت ابن رشد وسقوط أخر قلاع الفلسفة بالأندلس و هجوم أبو حامد الغزالي المعروف عليها من خلال كتابه تهافت الفلاسفة؟ لمادا دخلنا عصر الانحطاط الفكري ولم نخرج منه إلى الآن ؟ لمادا تم حصر الإسلام في تفسيرات فقهية ضيقة و جامدة تعادي الفلسفة والعقل وتدعو للتكفير بدل التنوير؟ لمادا لايستطيع المسلم ونحن في القرن الواحد والعشرين مناقشة الشؤون الدين بحرية كما فعل علماء الكلام مع المعتزلة و فلاسفة الإسلام الكبار؟
الواقع ودون استبعاد الشروط الاقتصادية والسياسية المتداخلة والمتقاطعة في إنتاج دوامة العنف لابد من الانتباه إلى أننا كمسلمين ورثنا أزيد من ثمانية قرون من الانحطاط والجهل والظلام وهي التي أنتجت هده الأصولية والعنف والتشدد وبدل أن يدرس لطلبتنا النصوص التنويرية للفارابي و المعتزلة وابن سينا وابن رشد إلى جانب ديكارت وسبينوزا وكانط وهيغل … و يتم الاحتفاء بتراث أبي العلاء المعري وابن باجة والتوحيدي وابن المقفع لازلنا نحارب الفكر الفلسفي لإنتاج جيل من الضباع كما جاء على لسان السوسيلوجي المغربي الراحل محمد جسوس، وبدل أن نجعل من المدرسة مجالا للإبداع والابتكار تم تحويلها إلى إطارا لترسيخ التخلف وثقافة الخنوع والاستكانة فضلا عن استمرارنا في الانتصارللتفسيرات الفقهية الجامدة والمغلقة لكل نوافذ العقل البشر فيما يتعلق بمعاملات المسلم وقضاياه الدينية والدنيوية التي يروج لها شيوخ الفضائيات الناهلين من الإسلام الوهابي المتشدد في الوقت الذي يتجه العالم المتحضر إلى تأسيس أخلاق كونية أو قابلة لأن تكون معممة على سائر شعوب الأرض تنتصر للإنسان ولقضاياه دون تمييز و تحترم خصوصيته.باعتباره البدء والمنتهى.