إعادة نظر ،الدين الحق.
بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني
يعلم الناس أن كل أهل دين يتعصبون لدينهم، فيظنون أن التفريق بين الأديان لا يُستطاع؛ خصوصا إن قورنت العبادات بعضها إلى بعض، بحيث توجد صلاة -مثلا- عند هؤلاء وأولئك؛ كما يوجد صوم وصدقة… غير أن الفارق بين الأديان، ليس هو صورة عباداتها، ولا حتى قرب عقائدها من المنطق العقلي، كما يتوهم بعض المسلمين؛ وإنما هو مدى تحقيق الدين، لعودة الإنسان إلى حقيقته الربانية. ومن لم يميّز هذا المعيار الثابت، فإنه لن يُدرك صحيح التدين، وإن كان على الدين الحق بالتوفيق الإلهي؛ إلا أن يشاء الله.
إن إنسانية الإنسان التي يتكلم الناس عنها كثيرا، ليست هي تحليه بالعاطفة المرقِّقة لمعاملته فحسب؛ ولا هي التحضر المنبئ عن عقلانية عليا، تجعل منه مخلوقا متميّزا عن سائر المخلوقات؛ وإنما هي جمعه بين الإلهي والكوني في ذاته وصفاته. وهذه المرتبة مجهولة للفلاسفة، كما هي مجهولة لأهل الأديان الباطلة، ولعوام أهل الدين الحق.
والعلوم الدينية، ليس المقصود منها إتقان الأسس العقدية والعملية لدين ما؛ وإنما المقصود بلوغ العلم بالله منها في النهاية. وليس العلم بالله، هو ما يعتقده أهل كل ملة في الله كما هو معروف؛ وإنما هو موافقة الحقائق التي شُيّد عليها هذا العالم المخبر عن ربه، كما يُخبر الكتاب عن كاتبه. إن من فاز بهذا العلم، لن يبقى الوجود منغلقا أمامه؛ ولكن ستفتح له كل خزائنه، كما تفتح النصوص المشفرة لمن ظفر بـ”شيفرتها”.
وعلى هذا، فإن الغاية الكبرى من الدين، ليست هي العبادة بالمعنى الطقوسي، بقدر ما هي العبادة بمعنى التحقق بالعبودية لله، التي لا تصح إلا بعد معرفته سبحانه. وبعد معرفته، تنجلي الأسرار التي في العبادات. فالعبادات لها مكانة عظيمة، لكن عند من له معرفة بربه؛ أما القائمون بها من وجه الإيمان، فإنهم متشبهون فيها على التحقيق، لا عاملون. ولهم في ذلك، أجر تشبههم من غير شك. أما من يتشددون في العبادات (ظاهرا)، مع خلوهم من العلم بالله (أو من نية قصده)، لا بد أن يكونوا في عبادتهم على خلل، يتوهمون أنهم يسدونه بالمبالغة في الإتيان بصورتها. وقد أصابت هذه الآفة كل الأمم، عند فقد روح الدين لديها، بما فيها أمتنا الإسلامية.