banner ocp

ابن جرير : حينما يتحول الحزن جمرا …..عائلة الشهيد “ياسين الشبلي” نموذجا !!

0

ابن جرير : حينما يتحول الحزن جمرا …..عائلة الشهيد “ياسين الشبلي”  نموذجا !!

بقلم: سعيد شبلي وأخ الشهيد ياسين شبلي.

بتاريخ: 09/06/2025

مدينة ابن جرير

حين تصمت الصحافة، ويتواطأ القضاء، وتغيب الجمعيات الحقوقية، يعلو صوت الشهيد من تحت التراب صارخًا: هنا قتل ياسين تحت التعذيب!

حين تصمت الصحافة، ويتواطأ القانون، وتصم الجمعيات آذانها، يخرج صوت المظلوم من تحت التراب صارخًا: هنا قتل ياسين تحت التعذيب! ليست هذه صرخة من خيال، بل حقيقة مأساوية كشفتها قضية الشاب ياسين شبلي، الذي توفي في ظروف غامضة ومؤلمة داخل مخفر الشرطة بابن جرير في أكتوبر 2022.

هذه القضية ليست فقط مأساة فردية، بل مرآة تعكس أعطابًا خطيرة في مسار العدالة، ونافذة على تناقض صارخ بين الشعارات الرسمية وممارسات الواقع. لم تعد قضية شبلي مجرد نزاع قانوني حول وقائع محددة، بل تحولت إلى رمز لصراع أوسع حول معنى العدالة ذاتها في المملكة، ومثال حي على كيف يمكن للعدالة أن تضل طريقها، مهددة بتقويض الثقة في المؤسسات ومبادئ سيادة القانون، ومثيرة تساؤلات جوهرية حول مستقبل حقوق الإنسان في المغرب.

خلفية القضية: مأساة ياسين شبلي

لم يكن ياسين شبلي، الشاب الذي ولد عام 1994 ونشأ في حي الزاوية بمدينة ابن جرير الهادئة، مجرد رقم في سجلات الشرطة. كان رياضياً واعداً، حاصلاً على الحزام الأسود في فنون الحرب المختلطة، ويحمل دبلوم تقني في كهرباء الصيانة الصناعية. كان شاباً في مقتبل العمر، يتمتع بلياقة بدنية عالية وطموحات لمستقبل لم يكتب له أن يعيشه.

مساء الخامس من أكتوبر 2022، انقلبت حياته وحياة أسرته رأساً على عقب. تم توقيفه في حديقة عمومية، وفي اليوم التالي، السادس من أكتوبر، لفظ أنفاسه الأخيرة وهو رهن الحراسة النظرية بمخفر الشرطة الإقليمي.

الرواية الرسمية الأولية، كما تجلت في بلاغات لاحقة، تحدثت عن ظروف وفاة غامضة أو ناتجة عن إهمال أو عنف لم يرق لمستوى القتل العمدي. لكن أسرة ياسين، منذ اللحظة الأولى، رفضت هذه الرواية رفضاً قاطعاً. مسلحين بشهادات وصور ومقاطع فيديو من داخل مستودع الأموات، أكدوا أن ابنهم لم يمت موتاً طبيعياً أو عرضياً، بل قتل تحت وطأة التعذيب الممنهج والوحشي داخل زنازين المخفر. تحدثوا عن تصفيده بطريقة مهينة ولا إنسانية، ممدداً على شكل حرف T ، ويداه ممدودتان ومثبتتان إلى الجانبين، وعن تعرضه للضرب المبرح وتعذيب وهو مكبل لا حول له ولا قوة.

تحولت قضية شاب بسيط تم توقيفه في حديقة إلى قضية رأي عام، وفجرت تساؤلات مؤلمة حول المعاملة داخل أماكن الاحتجاز وحقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة لمخافر الشرطة. لكن المأساة لم تتوقف عند حدود الفاجعة، بل بدأت حين حاولت العائلة انتزاع حقها من قضاء متردد.

المتاهة القانونية: دراسة حالة في التناقضات القضائية

حكم المحكمة الابتدائية: انتصار أولي للعدالة في خطوة جريئة وغير مسبوقة، فاجأت المحكمة الابتدائية بابن جرير الرأي العام في 12 يناير 2023، حين قررت إعادة تكييف الأفعال المنسوبة لعناصر الشرطة من مجرد جنح عنف وقتل غير عمدي إلى جناية تعذيب مكتملة الأركان.

استندت المحكمة إلى تفسير موسع لمفهوم التعذيب يتماشى مع اتفاقية مناهضة التعذيب، معتبرة أن أفعالاً مثل تصفيد الضحية بشكل مهين وتعريضه للضرب داخل الزنزانة ترقى بوضوح إلى مستوى التعذيب المحظور دولياً. والأهم من ذلك، اعتبرت أن القاضي ملزم بتطبيق الاتفاقية بشكل مباشر، دون حاجة لوساطة تشريعية.

الاستئناف يلغي الأمل: عودة إلى التكييف الجنحي

لكن هذا الانتصار الأولي للعدالة لم يدم طويلاً. ففي 7 مارس 2023، ألغت محكمة الاستئناف بمراكش هذا القرار، معيدة القضية إلى مربعها الأول كتكييف جنحي. تبنت محكمة الاستئناف توجهاً قانونياً مغايراً تماماً، مفاده أن الالتزام بملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية من اختصاص المشرع (البرلمان)، وليس القضاء.

اعتمدت المحكمة على المفهوم الضيق للتعذيب في القانون الجنائي المغربي، متجاهلة التعريف الأوسع الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب. هذا التضارب بين حكمين قضائيين في نفس القضية كشف عن إشكالية قانونية عميقة حول مكانة القانون الدولي في النظام القضائي المغربي.

وتعمقت أزمة الثقة مع صدور الأحكام الابتدائية النهائية في 23 أبريل 2025، التي وصفتها الأسرة بـ”المخففة”، حيث تراوحت بين البراءة وأحكام سجنية قصيرة لا تتناسب مع جسامة الفعل المرتكب.

تسجيلات الفيديو: الدليل الممنوع

في قلب هذه المتاهة القانونية، تقف قضية تسجيلات كاميرات المراقبة كعقبة أمام كشف الحقيقة. فبينما تؤكد الأسرة أن هذه التسجيلات (التي تقدر بـ 18 ساعة) توثق التعذيب بشكل لا لبس فيه، ترفض السلطات القضائية تسليم نسخ كاملة منها، مكتفية بعرض مقتطفات مجتزأة ومسرّعة خلال جلسة واحدة سرية مغلقة.

هذا الرفض تعتبره الأسرة انتهاكاً للمادة 421 من قانون المسطرة الجنائية وللحق في الدفاع، ويغذي الشكوك حول وجود نية لطمس الأدلة وحماية المتورطين. فهل يمكن لعدالة ينكر فيها الضحية الوصول إلى الدليل أن تقنع أحدًا بأنها عدالة نزيهة؟

صراع الأسرة من أجل الحقيقة والعدالة

اعتصام أمام المحكمة: مقاومة من قلب المعاناة

خاضت الأسرة اعتصاماً مفتوحاً أمام المحكمة الابتدائية بابن جرير، استمر لأزيد من 48 يوماً، في ظروف قاسية. لم يكن الاعتصام مجرد احتجاج، بل صرخة مدوية في وجه الصمت والتواطؤ، ورسالة قوية مفادها أن القضية لن تموت بالصمت.

قرار المقاطعة: رفض المشاركة في “مسرحية قضائية”

مع استمرار حجب الأدلة وصدور أحكام وصفتها الأسرة بغير المنصفة، قررت مقاطعة جلسات محكمة الاستئناف بمراكش، معتبرة أن المحاكمة تفتقد لأبسط مقومات العدالة، ولا تعدو أن تكون مسرحية صورية لتبرئة الجلادين.

الوجهة الأممية: العدالة حين تستعصى في الداخل

لوحت الأسرة باللجوء إلى اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من الاتفاقية، في حال استمرار تجاهل مطالبها، ووجهت اتهامات صريحة للسلطتين القضائية والأمنية بالتواطؤ لطمس الحقيقة وضمان الإفلات من العقاب.

لماذا قضية شبلي مهمة؟ عدالة على المحك

إن قضية ياسين شبلي ليست مجرد ملف جنائي، بل مرآة تكشف الخلل في منظومة العدالة حين تصبح عاجزة عن حماية أبسط الحقوق، أو متواطئة في إخفاء الحقيقة. إنها امتحان حقيقي لالتزام المغرب بالمواثيق الدولية، ولقدرة المجتمع على مواجهة الحقيقة مهما كانت موجعة.

لقد تحولت قضية ياسين شبلي إلى رمز لصوت من لا صوت لهم، لضحايا لا تملك عائلاتهم منابر إعلامية ولا وساطات نافذة، لكنها تملك الحق، والإصرار، والإيمان بأن الكرامة لا تشترى، وأن التعذيب لا يمكن أن يكون وجهًا من وجوه الدولة.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.